1.الإطار العام
1.1. قام فريق بحث من البنك الدولي بنشر دراسة تحت عنوان "الكلّ داخل العائلة: الدولة الرهينة في تونس" بتاريخ 27 مارس 2014 أشارت استنتاجاتها إلى كيفية تلاعب الرئيس السابق زين العابدين بن علي بمجلة التشجيع على الاستثمار من أجل خدمة مصالحه الشخصية ومصالح عائلته. حسب هذه الدراسة، أفضت تدخلات الدولة عند فرض إطار قانوني حمائي يعتمد على التراخيص، إلى سيطرة العائلة الحاكمة على بعض القطاعات الاقتصادية وحمت شركاتها من التنافس.
2.1. وتتأتّى الدراسة المذكورة في إطار إصلاح مجلة التشجيع على الاستثمار. إصلاح قامت بتمويله وصياغته و تسويقه منذ 2012 مؤسسة التمويل الدولية، الذراع المالي للبنك الدولي. ويهدف إصلاح مجلة التشجيع على الاستثمار إلى رفع جميع القيود و الآليات التي تمكن الدولة من ضبط الاستثمار.
3.1. و تجدر الإشارة إلى أن نشر هذه الدراسة يخدم مساعي البنك الدولي لرفع الضبط عن إطار الاستثمار في تونس. حيث تؤكد الدراسة على أن تعدد ضوابط الاستثمار سمح بانتشار الفساد لدى أفراد العائلة الحاكمة، أو ما يُسمى برأس مال المحسوبية. و يذهب السيد أنطونيو نوسيفورا، كبير الاقتصاديين والمسؤول عن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إلى حد التأكيد على أن الإطار القانوني الموروث من نظام بن علي هو الذي ساعد على تفشي الفساد. غير أنه يجب الإشارة إلى أن البنك الدولي يتغاضى عن دوره في وضع هذا الإطار القانوني. فهو الذي اشترط تبني مجلة التشجيع على الاستثمار الحالية لمنح تونس قرضا في سنة 1991 (القرض الممول للإصلاح الاقتصادي والمالي). كما هنأ البنك الدولي تونس بمصادقتها على مجلة التشجيع على الاستثمار في سنة 1993 تحت حكم بن علي.
2. المنهجية المريبة للبنك الدولي:
1.2. اعتمد الباحثون على المنهجية التالية من أجل بيان العلاقة بين الإطار القانوني للاستثمار والاستحواذ على القطاعات الاقتصادية من طرف عائلة بن علي:
- التعرف على القطاعات التي نشطت فيها الشركات التابعة للعائلة الحاكمة.
- مقارنة الأرباح المالية لهذه الشركات والشركات المنافسة من أجل تحديد الفوارق المتأتية من الحواجز القانونية التعديلية (التراخيص وتحديد الاستثمار الأجنبي الخاص).
- أخيرا، فحص مدى تمتع شركات العائلة الحاكمة بحواجز جديدة أي تقييم "القبض التنظيمي للدولة".
2.2. غير أن هذه المنهجية تفتقد للموضوعية العلمية. كي نفهم جيدا الموضوع، يجب أن نعلم أن مجلة التشجيع على الاستثمار تضع أربع قوائم :قائمتان لضبط الإستثمار؛ قائمة التراخيص وقائمة القيود على الاستثمار الأجنبي الخاص، وقائمتان تحفيزيّتان؛ واحدة للتحفيزات العامة وأخرى للتحفيزات الخاصة بالقطاع الفلاحي.
وقد اختار باحثو البنك الدولي طوعاً التركيز على العلاقة بين تحكم الدولة وقوائم الضبط دون التطرق لقوائم التحفيزات من أجل تقديم الحواجز على أنها السبب الرئيسي للفساد مما أفقد الدراسة جانبها الموضوعي.
3.2. بعد أن ضرب بالموضوعية عرض الحائط، ركز فريق البحث على قائمات الضبط دون غيرها، مستعملاً تعريفاً معمماً لماهية "القطاع المنظم”، حيث اعتبر أن وجود نشاط واحد مضبوط في قطاع ما يكفي لإطلاق صفة التنظيم على القطاع بأكمله حين أنه من المفروض أن لا تسند الصفة للقطاع حتى تكون على الأقل نصف أنشطته مضبوطة. بذلك قام الباحثون بتضخيم عدد القطاعات المضبوطة من أجل تدعيم استنتاجاتهم المسبقة.
3. التزوير المخزي الذي قام به البنك الدولي:
1.3. من أجل بيان نظرية "القبض التنظيمي"، قام الباحثون باعتبار وجود ضوابط إضافية للأنشطة في دراستهم (تراخيص أو تحديد للاستثمار الأجنبي الخاص) ومن ذلك إيجاد علاقات ترابط بين هذه الضوابط وشركات العائلة الحاكمة. وكحجة، استشهد فريق البحث بمثال شركة على ملك قريب سليم شيبوب (صهر بن علي) التي استفادت، حسب قولهم، بإدراج نشاط نقل اللحوم الحمراء بقائمة الأنشطة الخاضعة لتراخيص مما حماها من التنافس. غير أنه وبعد التثبت من المرسوم، اتضح أن هذا النشاط لم يقع إدراجه في قائمة للضبط بل في قائمة التحفيزات الخاصة بالفلاحة. وبالتالي يكون باحثو البنك الدولي قد قاموا بقراءة مزورة للمرسوم من أجل دعم حجتهم.
2.3. ويعتبر هذا التزوير سمة عامة للدراسة حيث أنه بعد التثبّت من التواريخ و الأنشطة التي تمتّعت بمراسيم رئاسية من أجل إضافتها لقوائم الضبط وحمايتها من المنافسة، تبيّن أنه وقع تزوير عدة نصوص مراسيم من قبل باحثي البنك الدولي :
• عدد الأنشطة المضافة إلى قائمة الأنشطة الخاضعة للترخيص (الفصل 2 من مجلة التشجيع على الاستثمار): قام البنك الدولي بحصر 51 نشاطاً ويتضح من بحثنا أنه وقع في الحقيقة إضافة 28 نشاطا فقط أما الـ23 نشاطا المتبقين فقد وقع إضافتهم زورا من قبل البنك الدولي. نسبة التزوير: 45%
• عدد الأنشطة المضافة إلى قائمة الأنشطة الخاضعة لحواجز على الاستثمار الأجنبي الخاص (الفصل 3 من مجلة التشجيع على الاستثمار: من بين 38 نشاطا محصى من طرف البنك الدولي، في الواقع تم إدراج 4 أنشطة فقط أما باقي الأنشطة فقد وقعت إضافتها زورا أيضا من طرف البنك الدولي. نسبة التزوير: 89%.
3.3. ويتمثل التزوير في معظمه في احتساب أنشطة ضمن قائمات الضبط في حين أنها غير موجودة أو أنها ضمن قائمات التحفيزات. ولعل أكثر التزويرات فظاظة وفحشا تلك التي تخص المرسوم رقم 503-1997. حيث يشير بحث البنك الدولي إلى أن هذا المرسوم يضيف 23 نشاطاً إلى قائمة الأنشطة الخاضعة إلى تحديد الاستثمار الأجنبي الخاص في حين أنه يلغيهم كليا من القائمة مما يبعث على الشك في كامل الدراسة واستنتاجاتها.
4. الخلاصات والعبر من هذه الدراسة :
1.4. الخلاصة الأولى التي يمكن استنتاجها هي أن عائلة بن علي كانت تسعى وراء الربح السهل الناتج عن كثرة الحوافز وليس عن الاستفادة من استعمال الحواجز والإحتماء من المنافسة كما أشارت له استنتاجات دراسة البنك الدولي. وبالتالي، يمكن دحض منطلقات أجندة البنك الدولي من أجل رفع الضبط عن السوق التونسية.
2.4. الخلاصة الثانية تهم أخلاقيات ومصداقية البنك الدولي.
إن التدقيق في تقرير البنك الدولي "الكل داخل العائلة" يبين استعمال منهجية غير موضوعية واللجوء إلى التزوير والتلاعب من أجل تضخيم عدد القطاعات المضبوطة. فالمنهجية المتبعة من فريق البحث تثير تساؤلات جدية حول حيادية هذه الدراسة ومصداقيتها العلمية. يبدو أن باحثي البنك الدولي حددوا الاستنتاجات المرجوة ثم قاموا بتكييف منهجيتهم لها.
3.4. كما في قصص "لافونتين"، توجد دائماعبرة في النهاية.والعبرة هنا هي أنه لإثبات تلاعب بن علي، لجأ البنك الدولي بدوره إلى التلاعب وتزوير المعطيات. وبذلك تكون الخلاصة الثالثة هي "من حفر جُبّا لأخيه وقع فيه."
يمكن قراءة الدراسة كاملة هنا، على الموقع الإلكتروني للمرصد التونسي للاقتصاد.
الكلمات المفاتيح :
البنك الدولي، تونس، رفع الضبط، الكل داخل العائلة، تلاعب، تزوير.
مقتطفات :
قام فريق بحث من البنك الدولي بنشر دراسة تحت عنوان "الكلّ داخل العائلة: الدولة الرهينة في تونس" بتاريخ 27 مارس 2014 أشارت استنتاجاتها إلى كيفية تلاعب الرئيس السابق زين العابدين بن علي بمجلة التشجيع على الاستثمار من أجل خدمة مصالحه الشخصية ومصالح عائلته. حسب هذه الدراسة، أفضت تدخلات الدولة عند فرض إطار قانوني حمائي يعتمد على التراخيص،إلى سيطرة العائلة الحاكمة على بعض القطاعات الاقتصادية وحمت شركاتها من التنافس.
غير أن هذه المنهجية تفتقد للموضوعية العلمية. كي نفهم جيدا الموضوع، يجب أن نعلم أن مجلة التشجيع على الاستثمار تضع أربع قوائم :قائمتان لضبط الإستثمار؛ قائمة التراخيص وقائمة القيود على الاستثمار الأجنبي الخاص، وقائمتان تحفيزيّتان ؛ واحدة للتحفيزات العامة وأخرى للتحفيزات الخاصة بالقطاع الفلاحي.
ويتمثل التزوير في معظمه في احتساب أنشطة ضمن قائمات الضبط في حين أنها غير موجودة أو أنها ضمن قائمات التحفيزات. ولعل أكثر التزويرات فظاظة وفحشاً تلك التي تخص المرسوم عدد 503-1997. حيث يشير بحث البنك الدولي إلى أن هذا المرسوم يضيف 23 نشاطاً إلى قائمة الأنشطة الخاضعة إلى تحديد الاستثمار الأجنبي الخاص في حين أنه يلغيهم كليا من القائمة مما يبعث على الشك في كامل الدراسة واستنتاجاتها.
[للنسخة الإنجليزية انقر/ي هنا وللفرنسية هنا]